اللمة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر /عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول إذا كنت عضومعنا

أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب بلانضمام الي أسرة منتدى اللمة العربية

سنتشرف بتسجيلكـمع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Keda

شكـــرا

إدارة المنتدىمع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Rose
اللمة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر /عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول إذا كنت عضومعنا

أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب بلانضمام الي أسرة منتدى اللمة العربية

سنتشرف بتسجيلكـمع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Keda

شكـــرا

إدارة المنتدىمع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Rose
اللمة العربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اللمة العربية

لغة القرآن جمعتنا وسيرة الهادي نورتنا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد
للتميز عنوان
للتميز عنوان
محمد


عدد المساهمات : 180
تاريخ التسجيل : 30/11/2010
الموقع : هنا

مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Empty
مُساهمةموضوع: مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان   مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Emptyالأحد ديسمبر 12, 2010 3:12 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما بع
د:

فأنني أقدم هذه السلسة الطيبة المباركة وأرجو أن تكون نافعة وهي بعنوان:

أئمة الهدى ومصابيح الدجى

لفضيلة الشيخ محمد حسان

وهي عبارة عن مجموعة خطب ألقاها الشيخ في مسجد الراجحي في المملكة العربية السعودية

ونستهل هذه السلسلة بعد التوكل على الله بــ:

الدرس الأول

مع أعظم داعية

صلى الله عليه وسلم

كان العالم يتخبط في ظلمات الجاهلية وخرافات الوثنية، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ونوراً وهدى للناس، لكن الجاهلية الغاشمة لم تفقه ما أريد لها، فقام كفار مكة في وجهه، فآذوه ومن أسلم معه واضطهدوهم واضطروهم للخروج من مكة، والبحث عن بلاد آمنة للدعوة إلى الله. وكان ما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأذى والابتلاء أمراً عظيماً، يسلي الدعاة من بعده، ويحملهم على تحمل الأذى والمشاق في سبيل الله، والاضطلاع بأمور الدعوة مع التحلي بالصبر والجلد والاستمرار.


مقدمات الدعوة وبدء الوحي


الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه،) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ( [الحج:62]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فمع اللقاء الثاني عشر من خواطر الدعوة إلى الله عز وجل، ونحن اليوم على موعد لإجمال ما فصلناه في اللقاءات الطويلة الماضية، وذلك بتقديم صورة عملية مشرقة للدعوة إلى الله عز وجل، لأعظم داعية عرفته الدنيا، لإمام النبيين، وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قدوتنا، وأسوتنا، وإمامنا، وأستاذنا، ومعلمنا، ولم تكن دعوته ولن تكون أبدا ماضياً يحاول أعداؤنا في الليل والنهار أن يقطعوا الصلة بيننا وبينه، كلا، بل إن دعوته شعلة توقد شموس الحياة، ودماء تتدفق في عروق المستقبل والأجيال. أحبتي في الله! لقد نشأ أعظم داعية -صلى الله عليه وسلم- في بيئة شركية، تُصنع الحجارة بيديها، وتسجد لها من دون الله جل وعلا، فاحتقر هذه الأصنام، وأشفق على أصحاب هذه العقول، فهاهو يرى الواحد منهم ينحت إلهه الذي يعبده بيديه من حجر أو خشب أو نحاس أو حديد، أو حتى من التمر أحيانا إذا اضطر إلى ذلك، فإذا ما عبث الجوع ببطنه قام يدس هذا الإله الرخيص في جوفه؛ ليذهب به أذى هذا الجوع .. بيئة عجيبة! فترك النبي صلى الله عليه وسلم هذه البيئة الشركية، واختار العزلة بعيداً في غار حراء، على قمة جبل النور بمكة المكرمة شرفها الله وزادها تشريفاً، خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أصنام مكة، وبعيداً عن سدنتها وكهانها، وذهب بعيداً إلى هذا الجبل، الذي يستغرق الصعود إليه ساعة أو أكثر، يخلو بنفسه ليقضي النهار في التأمل والتفكر والتدبر، ويقضي الليل في التبتل والتعبد والتضرع. وفي ليلة من هذه الليالي الكريمة المباركة يتنزل الوحي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى ليبشر النبي صلى الله عليه وسلم بحياة جديدة، بل ومبشرا البشرية كلها بحياة جديدة، هاهي النبوة ترفع أعلامها، وهاهي النبوة تدق ناقوسها، وتقول: أنت يا محمد نبي الله لهذه البشرية كلها، ويأتيه الملك كما في الحديث الذي رواه البخاري ، في كتاب بدء الوحي من حديث عائشة : (يأتيه الملك ويقول له: اقرأ، فيقول: ما أنا بقارئ -أي: أنا رجل أمي لا أتقن القراءة ولا أحسن الكتابة- يقول صلى الله عليه وسلم: فأخذني وغطني -أي: ضمني ضمة شديدة- حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطي الثالثة ثم أرسلني وقال: ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ( [العلق:1-3]). فرجع النبي صلى الله عليه وسلم بها يرجف فؤاده، وترتعد فرائصه وتضطرب جوارحه، رجع إلى من؟ رجع إلى القلب الحنون، رجع إلى العقل الكبير، رجع إلى أمنا خديجة رضي الله عنها وهو يقول لها: (يا خديجة والله لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر ) وانطلقت به صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان رجلاً قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت: (يا ابن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة : ماذا ترى يا ابن أخي؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة : هذا والله الناموس الذي نزل الله على موسى، يا محمد! والله إنك لنبي هذه الأمة، ليتني كنت فيها جذعاً -أي: شاباً صغيراً- لأنصرك ولأحميك ولأدفع عنك، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أومخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً)، وما لبث أن توفي ورقة ، وفتر الوحي، أي: انقطع فترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب رسول الله عليه الصلاة والسلام بالحيرة، ما هذا الذي جرى؟ ما هي رسالته؟ ما هو دوره؟ ما هي وظيفته؟ يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث جابر الذي رواه البخاري ومسلم (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً في السماء يقول: يا محمد! يا محمد! فرفعت رأسي فإذا بالملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، يقول عليه الصلاة والسلام: فرعبت منه -وفي رواية مسلم : فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض، ورجعت إلى أهلي وأنا أقول: زملوني زملوني، يقول عليه الصلاة والسلام: فدثروني -أي: وضعوا عليه الأغطية- وإذا بالأمر يتنزل على قلب الحبيب من الله جل وعلا لينادي عليه ربه بهذه الآيات ويقول: ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ( [المدثر:1-5]). قم يا محمد! وأزح عنك هذه الأغطية، وأزل عنك هذه الفرش، فما كان بالأمس حلماً جميلاً أصبح اليوم حملاً ثقيلاً، قم يا محمد! للعبء الثقيل الذي ينتظرك، قم يا محمد! للأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، قم يا محمد! لعبء العقيدة .. لعبء الدعوة إلى الله .. لتزيح عن هذه البشرية وعن هذا الوجه الكالح هذا الشرك وهذا الكفر العتيد العنيد، قم يا محمد! لترفع راية لا إله إلا الله، لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. فنهض محمد وقام، وظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً، لم يقعد ، ولم يكسل، ولم يجلس، ولم يسترح، ولم يعش لنفسه ولا لأهله قط، وإنما عاش لله، وعاش لدين الله، وعاش لدعوة الله، وعاش لـ لا إله إلا الله، وعاش من أجل هذه البشرية المنكوبة تحت سياط الشرك والكفر، قام وظل قائماً. ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( [المدثر:1-3]، كبر الكبير المتعال الذي هو أكبر من كل شيء، هو أكبر من السماوات، وأكبر من الأرض، وأكبر من هؤلاء الطواغيت والفجار. ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ( [المدثر:3-5]، أي: اهجر هذه الأصنام وهذه التماثيل التي لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عن نفسها شيئاً.



مرحلة الدعوة السرية


وبدأت المرحلة الأولى من مراحل الدعوة لدين الله جل وعلا، في تكتم شديد وسرية كاملة، نعم! إن الأمر جد خطير، إن للأصنام جيوشاً تتلمظ وتستعد لنحر كل من يعتدي عليها، ما بالك بأقوام يعتدي بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً على ناقة، فما ظنك بما سيفعلونه من أجل آلهة ينحرون لها آلاف النياق لترضى عنهم بزعمهم! فلابد من التكتم، ولابد من السرية في هذه الآونة. وانطلق النبي عليه الصلاة والسلام بدعوة في سراديب من التكتم والسرية؛ ليبذر وليغرس جذور التوحيد في باطن الأرض في القلوب، لتؤتي ثمارها وأكلها بعد حين بإذن ربها، إذا ما خرجت على سطح الأرض قوية يافعة لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تجتثها أو أن تقتلعها؛ لأن الجذر الذي في باطن الأرض غرسه أعظم داعية بيديه صلى الله عليه وسلم، غرس النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الصحيحة الخالصة في القلوب، وينبغي على كل داعية أن يبدأ بما بدأ به حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم، لابد من عودة إلى العقيدة؛ لزرع جذورها في القلوب زرعاً صحيحاً أكيداً قوياً لا تزعزعه الرياح، ولا تؤثر عليه الأهواء والشبهات. فأسلمت خديجة ، وأسلم أبو بكر ، وعلي ، وزيد بن حارثة ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وبلال ، وأبو ذر ، وأبو عبيدة ، وسمية ، وعمار ، وياسر وغيرهم من السابقين الأولين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.


الجهر بالدعوة

واستمرت المرحلة السرية في الدعوة إلى الله ثلاث سنوات، كان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله جل وعلا تحت السراديب، يدعو إلى الله جل وعلا تحت باطن الأرض لا على ظهرها، حتى نزل الأمر من الله جل وعلا ثانية يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن دعوته وأن يجهر بها، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزل قول الله جل وعلا: ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينََ( [الحجر:94]، يقول ابن مسعود : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه).)فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ( [الحجر:94]، تبدأ من هنا المرحلة الثانية من مراحل الدعوة إلى الله جل وعلا، ألا وهي المرحلة العلنية أو الجهرية، ونزل قول الله تعالى: ) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( [الشعراء:214-215])، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا بمكة المكرمة، والحديث رواه البخاري وغيره: (صعد على الصفا ونادى على بطون قريش يا بني عدي! يا بني فهر! -وفي رواية-: وضع أصبعيه في أذنيه وظل يصرخ بأعلى صوته، واصباحاه واصباحاه! فاجتمع إليه الناس، واجتمعت إليه بطون قريش، حتى إن الرجل الذي عجز عن أن يذهب بنفسه وكل رسولاً يذهب عنه ليخبره ما الخبر، ووقف الناس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم -فأقام عليهم الحجة ابتداءً- وقال: (أرأيتم لو أني أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً قط، فقال صلى الله عليه وسلم: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، وفي رواية في الصحيح: إنما أنا النذير العريان، أي: الذي لم يمهله الوقت ليرتدي ثيابه، فجاء عرياناً لينذر قومه من النار. وكان أول من رد عليه عمه أبو لهب نظر إليه نظرة يتطاير منها الشرر الذي قتله وأحرقه بعد ذلك وقال له: (تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟!)، أي: أجمعتنا من أجل هذا الكذب ومن أجل هذا الهراء؟! أنت رسول الله إلينا؟! أنت نذير إلينا من عند الله جل وعلا؟! ألهذا جمعتنا؟! فنزل قول الله جل وعلا: ) تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ( [المسد:1-5]، يقتص الله جل وعلا فورياً لحبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهنا كأن صاعقة برقت ورعدت وزلزلت أرجاء مكة، وبدأت طبول الحرب تدق بأعلى قوة على محمد صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ ما جاء يطلب مالاً، ولا يطلب جاهاً، ولا يريد سلطاناً، ولا يريد ملكاً، وإنما جاء بخيري الدنيا والآخرة، جاء ليخرجكم من ظلمات الشرك والكفر والإلحاد إلى أنوار التوحيد والإيمان، وهكذا كل من يدعو إلى الله يصنع به ذلك. نعم، إنها سنة قديمة حديثة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:)إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ( [المطففين:29-32].



بدء المرحلة المكية وإيذاء المشركين للدعوة


وتفنن أهل مكة في إيذاء الحبيب، وسبحان الله! لم يمض على الجهر بالدعوة إلا أشهر معدودة وإذ بموسم الحج يقترب، والعرب كانوا يحجون البيت قبل الإسلام وهم على الشرك، وكانوا يقدسون البيت تقديساً عجيباً. واجتمع المشركون في مكة وخافوا على العرب من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن كلامه يسري إلى القلوب كسريان الماء بين الشقوق، وكسريان الدماء بين العروق، فاتفقوا على كلمة حتى لا يكذب بعضهم بعضاً، واتفقوا جميعاً على قولة المتكبر المعاند الذي عرف الحق وتكبر عليه وأعرض عنه، وهي مقولة الوليد بن المغيرة ، الذي فكر في الأمر وقلبه من جميع جوانبه, ) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر( [المدثر:18-22], -كشر- ) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ( [المدثر:23-24]، إن الذي جاء به محمد سحراً يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وقبيلته وعشيرته، وانفضوا جميعاً وقد اتفقوا على أن يقولوا: إن محمداً ساحر، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. حتى أقبلت الوفود، فقام النبي عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى لا إله إلا الله، وأبو لهب يمشي خلفه ويقول: لا تصدقوه فإنه صابئ كذاب! اتهموه بالجنون ونادوا عليه وقالوا: يا مجنون, ) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ( [الحجر:6]،) وََعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( [ص:4]. وازداد الأمر سوءاً، واشتد البلاء والاضطهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن امرأة تتطاول على صاحب المقام العالي صلى الله عليه وسلم، وتذهب هذه المرأة التي داست على أنوثتها وتطاولت بل وفاقت المشركين شراسة ووقاحة، إنها أم جميل التي تمزق قلبها من الحسرة على ما سمعت من القرآن الذي تلي في حقها وزوجها، وأخذت الحجارة في يديها، وذهبت إلى رسول الله حول بيت الله لتلقي بالحجارة على رأسه وعلى فمه، وذهبت إليه وهو جالس مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه وقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ -لقد أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد بلغني أنه يهجوني، و والله إني لشاعرة، ثم قالت: والله لو وجدته لرميت فاه بهذا الفهر -أي: بهذه الحجارة-، ثم أنشدت وقالت: مذمم عصينا -أي: محمد عصينا-. ودينه قلينا. وأمره أبينا. وفتحت هذه المرأة الشريرة الباب للمشركين أن يتطاولوا، وأن يصبوا العذاب صباً على أشرف رأس وأطهر رأس وأعظم بدن دب على ظهر هذه الأرض. وروى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود : (جلس أبو جهل وأصحابه من حوله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فقال أبو جهل عليه لعنة الله: من يقوم منكم إلى سلا جزور بني فلان فيلقيه على ظهر محمد وهو ساجد، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط، وجاء بسلا الجزور النجس وانتظر حتى سجد الحبيب صلى الله عليه وسلم وألقاه على ظهره وعلى رأسه، وظل النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً لا يرفع رأسه)، أتلقى النجاسة على رأس رسول الله؟! نعم، وظل الحبيب صلى الله عليه وسلم ساجداً لا يرفع رأسه (حتى جاءت إليه ابنته فرفعت الأذى عن أبيها)، ابنة تنظر إلى أبيها على أنه أعظم الرجال، هاهي تدفع الأذى والنجاسة بيديها عن رأسه وعن ظهره الشريف، ويرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه. وفي البخاري أيضاً: (أن عقبة ذهب مرة أخرى وخنق النبي عليه الصلاة والسلام خنقاً شديداً حتى كادت أنفاسه أن تخرج، ويأتي الصديق رضي الله عنه ويأخذ بمنكبيه ويدفعه وهو يقول له: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!) ليس له جريمة إلا أنه يقول: لا إله إلا الله، أصبحت كلمة التوحيد جريمة في القديم وفي الحديث, ) أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم( [غافر:28]. أصبح التوحيد جريمة، أصبح التوحيد تطرفاً، أصبح التوحيد إرهابا, ً)أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ( [غافر:28]. بل ويزداد الأمر سوءاً -كما روى الطبري وابن إسحاق-: فيلقي عليه بعض الأنذال الأوباش تراباً على رأسه، ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتراب على رأسه، فتقوم إليه إحدى بناته لتغسل التراب من على أشرف رأس وأطهر رأس، وهي تبكي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا تبكي ولا تحزني يا ابنتي، إن الله مانع أباك إن شاء الله بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.



شدة الأذى والهجرة إلى الحبشة


كل هذا يفعل برسول الله، فما ظنكم بما يفعل بالمستضعفين، هذا ما يفعل برسول الله مع دفاع أبي طالب ومع مكانته في قومه، فما ظنكم بما يفعل بالمستضعفين من الموحدين؟! كلنا يعلم أن أول شهيدة في الإسلام سمية رضي الله عنها، لقد عذبها أبو جهل عذاباً شديداً، وفي النهاية طعنها بحربته في فرجها فماتت، فهي أول شهيدة في الإسلام، تطعن بحربة في فرجها؛ لأنها قالت: لا إله إلا الله! ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم بداً أمام هذه الحرب الشرسة الضروس، إلا أن يشير على أصحابه المستضعفين بالهجرة. سيتركون مكة، ويتركون الأهل، ويتركون الديار، ويتركون الأموال، ويتركون الأوطان، ويتركون الأحباب؛ كل ذلك من أجل الدين، من أجل العقيدة، إنها أغلى ما يملك الإنسان في هذا الوجود، فهي أغلى من وطنه، وأغلى من ماله، وأغلى من أولاده، وأغلى من نفسه، هكذا ينبغي أن تكون. والهجرة إلى أين؟ إلى أين سيذهب أصحابك يا رسول الله ؟ سيذهبون إلى أرض بلال إلى الحبشة، لتغسل شلالاتها دماء ودموع المستضعفين من الموحدين؛ لتطهر شلالاتها جروح المستضعفين من أثر السياط والرماح. ولماذا الحبشة؟ والجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إلى بلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً). ونتوقف مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يغادرون مكة في غاية الحزن والألم والأسى، وهم يرحلون عن حبيبهم وإمامهم ونبيهم، وهم يتخلون عن ديارهم وعن بيت ربهم، نسأل الله جل وعلا أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.



أثر إسلام حمزة وعمر على الدعوة


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! ويخرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رجب من السنة الخامسة من بعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام، يخرجون إلى أرض الحبشة، ويشتد الأذى ويزيد البلاء والاضطهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الموحدين من المستضعفين. ويشاء الله جل وعلا لهؤلاء المقهورين نصراً يزلزل أرجاء مكة، نعم، فلقد أسلم أسد الله وأسد رسوله حمزة رضي الله عنه، وبعد ثلاثة أيام فقط من إسلام حمزة يبرق ضوء شديد في مكة كلها، يضيء للمقهورين طريقهم -ولأول مرة- إلى بيت الله الحرام ليطوفوا باطمئنان وثقة وثبات، ولم لا وقد أسلم عمر؟! نعم أسلم عمر بعد ثلاثة أيام من إسلام أسد الله وأسد رسوله حمزة رضي الله عنهم جمعياً وأرضاهم، ولأول مرة يخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه المستضعفين المقهورين في صفين: على رأس الصف الأول حمزة، وعلى رأس الصف الثاني الفاروق عمر، وبين يدي الصفين إمام الهدى ومصباح الدجى محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أين؟ إلى بيت الله الحرام الذي حرمهم المشركون من التمتع به والتلذذ به، والتعبد والصلاة عنده. نصر جديد من عند الله جل وعلا.


حصار الشِعب وآثاره على المسلمين ومن معهم

بل ويزداد النصر حينما يصر بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما سمع وعلم أبو طالب أن المشركين قد صمموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم والتخلص منه، ويتفق المشركون جميعاً على مقاطعة كاملة وحصار اقتصادي -شنشنة قديمة حديثة- فرضوا الحصار الاقتصادي الشامل الكامل على بني هاشم وبني المطلب، وأجمعوا على أن لا يؤاكلوهم ولا يناكحوهم ولا يتاجروا معهم ولا يتزوجوا منهم، ولا يسمحوا لهم بطعام أو بشراب، حتى أكل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه الجلود وورق الشجر. واستمر الحصار على رسول الله وعلى الموحدين الأتقياء الأطهار ثلاث سنوات! نعم، وفرج الله الكرب، وأذهب الله الهم والغم.



عام الحزن


وبعد ستة أشهر فقط من الخروج من هذا المأزق الحرج، يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفجيعة مؤلمة، فيموت عمه أبو طالب الذي كان بلا منازع حصناً حصيناً تتحطم عليه رماح المشركين وسهامهم، والذي كان بلا منازع من أول الناس دفعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من ذلك يموت أبو طالب على دين قومه، ويتنزل فيه قول ربه جل وعلا لحبيبه صلى الله عليه وسلم: ) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( [القصص:56]. وبعد شهرين أو ثلاثة من وقوع هذه الفاجعة يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفاجعة تفتت الكبد وتمزق القلب، أتدرون ما هي؟ إنها موت زوجته خديجة ، ماتت صاحبة القلب الكبير، لا إله إلا الله .. رحماك رحماك يا الله! مات أبو طالب وماتت خديجة رضي الله عنها بعد شهرين أو ثلاثة، ماتت التي كانت تضم النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدرها؛ لترفع عنه الهم والغم، ولتخفف عنه البلاء، ولتضمد جراحه بأسلوبها العذب الرقيق، ماتت خديجة وعصر الألم قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه سمى هذا العام العاشر الذي مات فيه أبو طالب وخديجة ، سماه النبي صلى الله عليه وسلم: بعام الحزن، إي والله إنه لعام حزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


رحلته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف



وبعد موت أبي طالب كشرت قريش عن أنيابها، وضاعفت الأذى والاضطهاد على رسول الله وعلى الموحدين، وترك النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأرض الصماء، هذه الأرض الجامدة، وخرج يبحث عن أرض أكثر خصوبة؛ ليبذر فيها بذرة التوحيد؛ ليبذر فيها بذرة لا إله إلا الله. ويخرج النبي عليه الصلاة والسلام يشق الأودية والجبال تحت حرارة هذه الشمس المحرقة، وعلى هذه الرمال الملتهبة المتأججة، يمشي على قدميه المتعبتين الداميتين بلا راحلة، لماذا؟ لأنه كان لا يملك ثمن الراحلة. يتحرك الحبيب على قدميه، لماذا؟ هل يريد جاهاً، أم يريد مالاً، أم يريد سلطاناً؟ لا، بل يريد الله والدار الآخرة، يريد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الشرك إلى التوحيد والإيمان. وتوجه إلى الطائف، خرج إلى الطائف يمشي أكثر من سبعين كيلو على قدميه تحت حرارة الشمس وعلى هذه الرمال، لم يركب سيارة مكيفة، ولا طائرة خاصة، وإنما على قدميه الشريفتين بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ويتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لعله يجد بقية خير في قلوب أناس خارج مكة، يبحث عن أمل، يبحث عن يد حانية تمتد لرفع راية لا إله إلا الله. مر النبي عليه الصلاة والسلام على أشراف بني ثقيف وساداتها، ولكن القوم كانوا أشد خسة ودناءة مما فعله به المشركون في مكة المكرمة، فسبوه ونهروه وطردوه صلى الله عليه وسلم، وقام -بأبي هو وأمي- يطلب منهم طلباً أخيراً هو أقل ما يطلبه الإنسان من أخيه الإنسان، يقول لهم: (إذ فعلتم بي ما فعلتم فاكتموا خبر زيارتي عن أهل مكة؛ حتى لا تزداد شماتتهم وظلمهم وعدوانهم)، ولكنهم كانوا أشد خسة ودناءة مما توقعه النبي عليه الصلاة والسلام، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون به، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم. وقام النبي صلى الله عليه وسلم والألم يعصر كبده، والمرارة تمزق قلبه، قام بحالة تفتت الأكباد وتمزق القلوب: جوعان، عطشان، يتألم من ألم السير بالليل والنهار على قدميه، دعوة مطاردة، وأصحاب تتخطفهم أيدي الطغاة، لا إله إلا الله! وألجأ السفهاءُ والصبيانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لـعتبة وشيبة ابني ربيعة، ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلس والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين إلا أن يستعيد ذكريات شريط الأحزان، شريط الدعوة الطويل إلى الله جل وعلا، فتذكر أصحابه في الحبشة، وتذكر إخوانه الذين يجلدون ويعذبون في مكة، وتذكر خديجة ، وتذكر أبا طالب، فلم يجد بداً من أن يرفع هذه الشكوى إلى من يسمع دبيب النملة السوداء، تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، رفع إلى الله هذا الدعاء -وإن كان شيخنا الألباني قد ضعف إسناده- لجأ إلى الله بهذه الدعوات الحارة وقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني! أم إلى عدو ملكته أمري! إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ونتوقف في هذا اليوم أيها الأحباب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف، لنواصل المسير مع أعظم داعية عرفته الدنيا على طريق الدعوة الطويل في اللقاء القادم إن شاء الله جل وعلا إن قدر الله لنا البقاء واللقاء. وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجزيه عنا خير الجزاء، اللهم اجز عنا محمداً خير الجزاء، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت به نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم وكما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعل كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.



رجوع النبي من الطائف إلى مكة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه:) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير( [الحج:62]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين؛ حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار. فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فمع اللقاء الثالث عشر من خواطر الدعوة إلى الله عز وجل، ولا زال حديثنا عن أعظم داعية عرفته الدنيا، عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد وقفنا في اللقاء الماضي وهو في الطائف تنزف قدماه دماً، ويتألم قلبه، وقد تبدد الأمل الذي ذهب إلى الطائف من أجله، وتمنى أن يجد في أهل الطائف من يمنعه ومن ينصره؛ ليبلغ دين الله ودعوة الله عز وجل. ولكنهم فعلوا به أسوأ ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان، فلقد قام إليهم وهو جائع عطشان يتألم من السير الطويل على قدميه حيث لا راحلة، ولا سيارة مكيفة ولا غير مكيفة، ذهب على قدميه إلى الطائف لا يريد جاهاً ولا مالاً، وإنما يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد والإيمان، ثم قام يطلب منهم أن يحيلوا بين مكة وبين خبر زيارته، فأبوا عليه ذلك، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم وحالته تفتت الأكباد، وتمزق القلوب الحية. عاد وقد حنت عليه السحاب، وأشفقت لمنظره الجبال والأشجار، واستعدت الجبال الشم الرواسي للانتقام له صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فانطلقت على وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني وقال: يا رسول الله ! إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم يا رسول الله! يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: فناداني ملك الجبال وقال: يا رسول الله ! لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -والأخشبان: جبلان عظيمان بمكة شرفها الله- لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين، أي: لفعلت) أتدرون ماذا قال ينبوع الحنان؟! أتدرون ماذا قال نهر الرحمة؟ أتدرون ماذا قال الحبيب وما زالت الدماء تنزف من قدميه؟ (قال: كلا، بل إني أرجو الله جل وعلا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، والله لو كان الحبيب ممن ينتقمون لأشخاصهم ولأنفسهم لأمر ملك الجبال أن ينتقم له، فطحنت الجبال تلك الجماجم، وحطمت حجارتها تلك الرءوس الصلدة الصلبة، ولسالت دماء أهل الطائف حتى يراها أهل مكة في مكة، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما خرج إلى الطائف لنفسه، وما جاء لينتقم لذاته ولا لشخصه، إنما جاء ليحمل إلى الدنيا الرحمة والإيمان والسعادة، جاء إلى الطائف وفي قلبه نور يتلألأ، جاء إلى الطائف وفي قلبه أمل يشرق. ولعل في أصلاب هؤلاء من يتنفس الإسلام، ولا يعيش إلا بالإسلام، وهو عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعاناً ولا فحاشاً، وإنما بعث رحمة مهداة، اللهم صل وسلم وزد وبارك على ينبوع الحنان، وعلى نهر الرحمة محمد بن عبد الله، يقول: (بل إني أرجو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) وعاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وقد اطمأن قلبه، وثبت هذا النصر الغيبي الكبير الذي أمده الله به من فوق سبع سماوات، عاد ليستأنف رحلته الشاقة الطويلة في الدعوة إلى الله عز وجل.



استمرار النبي في الدعوة إلى الله


أقبل موسم الحج للعام الحادي عشر من بعثته المباركة، وخرج الحبيب في ظلام الليل الدامس حيث نام المشركون بعد عناء طويل في النهار من تعذيب الموحدين من المظلومين ومن المستضعفين! ناموا في هذا الليل، وقام الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف النوم الطويل، ولا يعرف الراحة، ولا يعرف الهدوء والاستقرار من يوم أن نزل عليه قول ربه: ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ( [المدثر:1-2]، فقام ولم يقعد ولم يسترح ولم يهدأ له بال، ولم يستقر له قرار، قام في هذا الليل الدامس حتى لا يحول بينه وبين دعوته أحد من المشركين، قام ليتجول بين خيام القبائل التي أقبلت من كل مكان في أرض الجزيرة، لماذا؟ ليدعوهم إلى الله جل وعلا، ليعرض عليهم دين الله تبارك وتعالى، فمنهم من يسبه، ومنهم من ينهره، ومنهم من يؤذيه، ومنهم من يطرده، والله ما ذهب يطلب مالاً ولا جاهاً، بل لقد ذهب إليهم بنور الدنيا والآخرة، فيطردونه من بين الخيام! ينتقل الحبيب على قدميه المتعبتين من خيمة إلى خيمة، ومن قبيلة إلى أخرى، حتى وصل إلى خيمة بددت الأحزان، وجددت الآمال، وضمدت الجراح، وصل إلى خيمة كريمة مباركة جليلة من بين هذه الخيام الكثيرة المترامية الأطراف، دخل الحبيب إلى خيمة أقوام ورجال من أهل المدينة المنورة شرفها الله، وزادها الله تشريفاً وتكريماً، حيث وجدت دعوته فيها بذوراً صالحة تقية نقية، سرعان ما تحولت إلى شجرات باسقات غيرت وجه الدنيا، وحولت مجرى التاريخ. نعم أيها الأحباب! فلقد جلس الحبيب بين يدي ستة نفر من شباب المدينة، فعرض عليهم الإسلام، فتحركت قلوبهم لدين الله جل وعلا، فشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتجدد الأمل، وتبدد الحزن في وسط هذه الصحراء المترامية بالجهالة والشرك والكفر والإلحاد، تبدد الحزن وأشرق الأمل في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هؤلاء: (يا رسول الله! إنا سنقدم على قومنا، وسندعوهم إلى الإسلام، فإن جمعهم الله عليك فلا رجل أعز عليهم منك) وعاد هؤلاء بهذا النور الجديد، وبهذا الفجر المشرق، عادوا إلى المدينة المنورة لينفذ نور الإسلام وفجر الإسلام في بيوتها وأرجائها، وأشرق فجر الإسلام على المدينة المنورة على أيدي هؤلاء الأبرار، على أيدي هؤلاء الأطهار الأخيار.


بيعة العقبة الأولى والثانية وأثرهما على الدعوة الإسلامية


دار الزمن وأقبل موسم الحج التالي، وخرج من المدينة اثنا عشر رجلاً يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصمم هذا الوفد القليل الكبير أن يجتمع برسول الله عليه الصلاة والسلام، وتمت بيعة العقبة الأولى، تلك البيعة التي حطمت الجدران السوداء التي حالت بين نور الإسلام والناس، بين الدنيا ونور الآخرة، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما تمت البيعة أن يبعث معهم رجلاً ليعلمهم دين الله جل وعلا، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سفير الإسلام الأول، وداعية الإسلام العظيم، ذلكم الشاب المنعم المدلل، الذي كان بالأمس القريب يلبس الحرير، ويكثر من العطر والطيب فإذا مر في طريق من طرقات مكة قال الجميع: لقد مر في هذا الطريق مصعب بن عمير!. إنه الشاب التقي النقي الذي استعلى على الشبهات والشهوات، وتعالى على ملذات الدنيا، ولبس الخشن من الثياب، وأكل الجلد مع رسول الله، وأكل ورق الشجر مع أستاذه ومعلمه في شعب مكة حين الحصار الاقتصادي، يختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول داعية إلى دين الله في المدينة المنورة، ويخرج مصعب بن عمير ليتعهد شجرة الإسلام بنفسه، التي نمت وترعرعت على يديه، حتى عاد في موسم الحج المقبل ليبشر أستاذه ومعلمه بأن فجر الإسلام قد أشرق على المدينة المنورة، واجتمع عدد كبير من الأنصار في هذا الموسم مع رسول الله، وبايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، على أن ينصروه إذا قدم إليهم وهاجر إليهم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم، وتمت البيعة الكبرى، ونظر أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه إلى رسول الله وقال: (يا رسول الله! إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -أي: إن بيننا وبين اليهود حبالاً وإنا قاطعوها- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك وأظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟! فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: كلا، بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم) المحيا محياكم أيها الأنصار الأخيار، والممات مماتكم أيها الأنصار الأبرار، أنا منكم وأنتم مني.



الهجرة تأسيس الدولة الإسلامية العظمى


تمت البيعة الثانية، واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته الصابرة الحكيمة أن يؤسس للإسلام -ولأول مرة- وطناً وسط صحراء تموج بالكفر والشرك والجهالة، وبدأت طلائع الهجرة المباركة للمقهورين والمعذبين في مكة، وبدءوا يصلون إلى المدينة المنورة زادها الله تشريفاً وتكريماً. وهنا أحس المشركون -لأول مرة- بالخطر العظيم الذي صار يهددهم بصورة جلية واضحة، وعقد البرلمان الشركي اجتماعاً طارئاً، وهو أخطر اجتماع في التاريخ، وأصدروا قراراً بالإجماع للقضاء على حامل لواء دعوة التوحيد، وللتخلص من محمد بن عبد الله؛ لقطع تيار نور التوحيد عن الوجود بأسره، ولكن: )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( [يوسف:21]، )وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( [الأنفال:30]، ) يُُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ( [الصف:8]. وهل تستطيع الطحالب ولو اجتمعت أن توقف سير البواخر العملاقة؟! وهل تستطيع الأفواه ولو اجتمعت أن تطفئ نور الله جل وعلا؟! وهل يضر السماء نبح الكلاب؟! ويخرج الحبيب من بين أيديهم وأمام أعينهم: )وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ( [يس:9]، ) إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [التوبة:40]، يخرج الحبيب وصاحبه تحت رعاية الله وتحت عين الله جل وعلا، ومن كان الله معه فمن ضده؟! ومن عليه؟! ووصل الحبيب وأصحابه إلى المدينة المنورة، إلى وطن الإسلام الجديد، واستقبلته المدينة استقبالاً بينت حقيقته تلك الدموع التي سالت على وجوه الرجال والنساء والأطفال، إنها دموع الفرح بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.



بناء الدولة الإسلامية


في المدينة بدأت مرحلة جديدة للدعوة إلى الله عز وجل، حقاً إنها مرحلة جديدة، فلقد أصبح للإسلام دولة حقيقية من حاكم وقائد وقوة وأرض ووطن، أصبح للإسلام دولة، بل وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يرسل البعوث والسرايا للقيام بحركات عسكرية استطلاعية؛ ليؤذن وليعلم المشركين في مكة واليهود في المدينة أنه أصبح للإسلام قوة تحميه وتدافع عنه، وستقلم أظفار من يتطاول على القضاء عليه بعد اليوم، وعندئذٍ نزل قول الله عز وجل: ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( [البقرة:190]. ما نزل الأمر بالقتال إلا بعدما استكملت القوة، وبعد أن أصبح للإسلام دولة، وبعد أن أصبح للإسلام رجال أطهار أبرار، يقفون في وجه كل من أراد أن ينال منه بعد اليوم؛ لأنه لابد للحق من قوة، قوة بالبلاغ والبيان، وقوة بالسيف والجهاد والسنان، ويوم أن تخلى المسلمون عن القوة، وعن قوله عز وجل: )وََأَعِدُّوا( [الأنفال:60] أذلهم الله لمن كتب الله عليهم الذلة من أبناء القردة والخنازير، وما أحداث الهند بعد أحداث البوسنة والهرسك منا ببعيد، فلقد قام الوثنيون الهندوس بعدما رأوا ما فعل الصرب بإخواننا في البوسنة والهرسك ولم يتحرك منا أحد، فقالوا: ولماذا نقعد نحن؟! المسلمون لا يتحرك منهم أحد، لقد مات المسلمون وكفنوا منذ زمن بعيد! فقام الهندوس الكفرة أهل الوثنية والإلحاد بتحطيم بيت من بيوت الله، حطموا الدين متمثلاً في بيوت الله جل وعلا، للقضاء على المسلمين والمسلمات، فما الذي فعله المسلمون؟! لقد وصلت البلاهة والسفاهة ببعض المسلمين إلى موت الولاء والبراء في قلوبهم، أين الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين؟! أين البراء من الشرك والمشركين؟! ما زلنا إلى يومنا هذا نأتي بالهندوس والسيخ الكفرة إلى بلاد المسلمين ليأكلوا من خيراتنا، ويأكلوا من أرزاقنا، ويقبضوا الأجور من أموال المسلمين، وليرسلوا بها إلى إخوانهم الكفرة والشياطين؛ ليقتلوا بها إخواننا وأخواتنا. والله! إنها لأكبر جريمة ترتكب في حق الإسلام، أن يكون بعد اليوم في بلاد المسلمين هندي هندوسي كافر أو سيخي كافر، فيجب إخراجهم حتى لو تعطلت الأعمال، ووقفت الشركات، لو كان في قلوبنا ذرة إيمان وذرة ولاء وبراء لرحّلناهم ذليلين شريدين مطرودين، ولا نعطيهم ريالاً واحداً، ولا دولاراً واحداً من أرزاق وأموال المسلمين التي هي أمانة بين أيدينا، وسنسأل عنها بين يدي رب العالمين جل وعلا، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين!



معركةبدر وأثرها العظيم على الإسلام والمسلمين


يشاء الله جل وعلا أن يلتقي الفريقان لأول مرة وجهاً لوجه، فريق الإيمان وفريق الشرك، في غزوة بدر الكبرى، في ميدان البطولة، في ميدان الرجولة، في ميدان الشرف، في ساحة الوغى، يوم أن صمتت وخرست الألسنة الطويلة، وخطبت وتكلمت السيوف والرماح على منابر الرقاب والرءوس. التقى الفريقان وقام الحبيب صلى الله عليه وسلم يرفع أكف الضراعة إلى الله جل وعلا، يناشد الله جل وعلا -كما ورد في صحيح مسلم- يقول: (اللهم هذه قريش أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني). وقام الصديق رضي الله عنه ليضع الرداء الذي سقط من على كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: والذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك يا رسول الله. إنه اليقين، إنها الثقة في الله جل وعلا، وأنزل الله جنده من السماء، وأنزل الله نصره على عبده، وأيد الله المؤمنين الصادقين، وفر المشركون من أرض بدر، وتبعثروا في الشعاب والوديان تبعثر الفئران، وعادوا إلى مكة بمنتهى الخزي والذلة والندامة، وقد أذهلتهم المفاجأة الإيمانية الكبرى التي غيرت وجه الدنيا، وحولت مجرى التاريخ. انتصر المسلمون في بدر، وهم الحفاة العراة الجياع! انتصر بلال الحبشي وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، انتصر هؤلاء المعذبون، انتصر هؤلاء المقهورون. انتصروا بفضل الله جل وعلا، وقتل السادة والأشراف، قتل أبو جهل وغيره من الصناديد، الذين طالما ساموا هؤلاء المقهورين سوء العذاب، ونصر الله عبده، وأعز الله جنده، وتم النصر الكبير، الذي علم الأقزام في أنحاء الجزيرة العربية أن للإسلام بعد اليوم قوة ستحميه، وستدافع عنه، وستقلم أظفار كل من سولت له نفسه أن ينال بعد اليوم من مسلم فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: أيها الأحباب! لابد للإسلام من قوة، وبعد هذه الغزوة الكبرى ظهرت بوادر هذه القوة في صلح الحديبية، الذي كان هو الآخر نصراً عظيماً لمن سبر غور بنوده وشروطه وأركانه، فلقد تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الفتح الكبير وهذا الصلح العظيم لدعوة الملوك والأمراء، وقام بإرسال الكتب إلى أنحاء الدنيا لدعوة الناس إلى الله جل وعلا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.


الآثار العظيمة لصلح الحديبية
التفرغ للدعوة إلى الله


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فيا أيها الأحباب! بدأت الدعوة مرحلة جديدة عظيمة أخرى بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الكتب والرسائل إلى الملوك والأمراء في جميع أنحاء الأرض، فلقد ثبت في الصحيحين: (أنه أرسل رسالة إلى هرقل عظيم الروم، وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يعقوب الجزائري
عضو نشيط
عضو نشيط
يعقوب الجزائري


عدد المساهمات : 127
تاريخ التسجيل : 29/09/2010
الموقع : http://laadjel-dj-yaagoub.forumslife.com

مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان   مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Emptyالجمعة ديسمبر 17, 2010 2:57 pm

مشكور حبيبي على نشر مثل هذه المواضيع لتبين رحابة الشريعة الاسلامية وتبين للغير ان خير ديانة انما هي ديانة الاسلام وان شاء الله تكون في ميزان حسناتك حبيبي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد
للتميز عنوان
للتميز عنوان
محمد


عدد المساهمات : 180
تاريخ التسجيل : 30/11/2010
الموقع : هنا

مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان   مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان Emptyالجمعة يناير 14, 2011 11:10 pm

اسعدني تواجدك في الموضوع

بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صور للشيخ محمد العريفي وهو في المستشفى ... شاهد الصور‎
»  محاضرة القيت في مسجد المنصورة لفضيلة الشيخ محمد حسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اللمة العربية  :: اللمة الإسلاميـة :: ساحة المحاضرات والدروس الدينية-
انتقل الى: